ايام عاشوراء في السماوة ..أكبر مسرح لأعظم قضية

لتجد الكبار والصغار بملابس الحزن على انغام حزينة ومكبرات الصوت تسمع منها القصائد التي تتكلم عن المناسبة وسط ديكورات لمجاميع من المصابيح مربوطة على شكل سفن تتوسطها قبب بألوان خضراء وزهور موضوعة في اصص مختلفة مزينة بأزهار حقيقية وورقية تدور في اجوائها المرثيات لتتحرك الجموع في شوارع المدينة من الغربي الى الشرقي وبالعكس لتتجمع وسطها جميع المواكب الحسينية مساء بعدها في الليل تتفرق الجموع على مواكبها حسب مناطقها السكنية. وانت حين تدخل هذا المسرح تصبح جزءا منه ، وتتغير الفصول حسب الايام لان لكل يوم من ايام عاشوراء مرثيته والمعروف انها تبدأ بسفير الحسين الى اهل الكوفة مسلم بن عقيل (ع) وتنتهي يوم العاشر من محرم بالعرض الكامل لواقعة الطف يقوم بالادوار رجال تدربوا جيدا على اداء ادوارهم او توارثوها.
الشارع السماوي في هذه الايام يكون مليئا ايضا بانواع الاكلات المعدة لمناسبة عاشوراء فذاك يخرج من دكانه مظلة ودكة يوزع الماء او المشروبات وشوارع السماوة شبه مسقفة هذه الايام حيث وضعت السقوف الخشبية او الحديدية لتفادي المطر والبرد ولتعليق الاضوية في الليل لتجد ارض الشارع عبارة عن سجادة تختلط فيها الالوان مما يقدم كل حسب طريقته فلا تعب ولاتذمر هذه الايام رغم طول المسافة التي تسير فيها المواكب في النهار او التنقل بين المواكب في الليل فعند كل انحناءة تجد شكلا جديدا وعند اخر انحناءة تبدأ في الاشتياق الى صوت قارىء او محاضرة يقدمها متحدث مشهور في هذه الايام.عاشوراء في السماوة لوحة كاملة بسبب تكوين المدينة السكاني حيث انهم من تحالف عشائري واحد وهو تحالف بني حجيم لذا ترى واجهة الدكاكين معلقة فيها المرثيات وتصدح منها آلات التسجيل التي تتكلم عن هذه الايام وتدعوك الى صحن من الطعام او شرب الشاي اوهدية ككتاب يتحدث عن هذه الايام ويكسل عمل المقاهي والمطاعم لان الجميع في المواكب.يثلج صدرك الناس هنا بدعواهم فكل الساحات تضج بالمراثي فهذا الموكب يتحدث عن صدر الاسلام، بجانبه اخر يقدم محاضرة عن بسالة سفير الحسين (ع) في الدعوة للثورة على يزيد واعوانه بالرغم من انه جاء وحيدا من المدينه المنورة الى العراق.المسرح لايديره مخرج او مؤلف انه عالم من ايمان بقضية يجسدونها بعزائهم اغلب النهار والليل بدون استراحة . تنتقل من موكب الى موكب ومن عزاء الى اخر طوال ايام عاشوراء بحزن شديد لاينتابك الملل لحظة .اذا جعت او عطشت فالمواكب مليئة بالاطعمة والمشروبات تأكل وتشرب دون ان يفوتك شيء من مواكب العزاء او عروض (التشبيه ) كما يروق لاهل السماوة تسميتها وهي عرض المعارك والمواجهات الكلامية بين انصار الحسين (ع) واتباع يزيد.
اللون الاسود هو الطاغي بين امواج البشر المستمرة والمتحركة والنساء في السماوة تحضر العروض للمشاهدة بالعباءة والحجاب الاسلامي في رؤوس الشوارع الفرعية القريبة من سكناها وهي تصدح بالبكاء احيانا عندما يقدم عرض (تشبيه)محزن بالقرب منها في مقدمة الموكب كذلك للنساء مرثياتهن وعزائهن ولكن داخل البيوت التي تعودت على هذا العزاء النسائي لانه مستمر اذ لم يستطع النظام السابق منع النساء من اجراء العزاء الحسيني لانهن يقيمنه في بيوتهن بعدد بسيط تلك الايام كل حسب منطقتها وانا اتذكر الكثير من البيوت التي كانت تقام فيها المرثيات ولازلت منذ كنت صغيرا فهي تنفذ الى قلبك تلك الواجهات والابواب الضيقة والنوافذ الصغيرة لتجد الكرم في داخل البيوت والفناء الداخلي مضمخا بعطور خاصة للمناسبة ومكسية جدرانها بالسواد وتجد كرسيا واحدا مخصصا (للملاية )كما تسميها نساء السماوة وهي أي الملاية تحمل مكبر صوت متنقلاً صغيراً تقرأ من خلاله المرثيات وتنتقل من بيت الى اخر وهكذا.
يبقى ان نذكر ان العلامة الدكتور احمد الوائلي (قدس) كان احد المحاضرين في الخمسينيات من القرن الماضي في هذه المواكب ومن السماوة قرأ الشيخ ياسين الرميثاوي القصيدة المشهورة والتي كانت من توجد لديه ايام النظام المباد يعتبر معاديا للنظام الا وهي قصيدة يحسين بضمائرنا هناك الكثير من الفصول في هذا المسرح الكبير . لانه عرض لاقدس قضية لمناسبة لم يتوان المؤسسون للمواكب او ابنائهم عن اقامتها فهي تذكير لثورة عظيمة وفيها قال الشاعر الشعبي عن الامام الحسين:
-انت الف جيفارا واكثر
انت للعالم درس
هذا الدرس يعاد كل سنة للتذكير بعظمة الموقف ومواجهة الطغيان والارهاب التي تقوم به الزمر على طول التاريخ للسيطرة على السلطة بالطرق غير الشرعية وتلقى نفسه المصير انها دروس وعبر للذين لم يفهموا الدرس بعد.
*جيفارا هو الثائر الكولمبي المعروف في الثورة الكوبية